بناء الإرادة رؤية في ضوء التربية الإسلامية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

الکليـــــــــــــــة التقنيـــــــــــــــــــة بالطائف المملکــــــــــــة العربيـــــــــة السعوديــــــــــة

المستخلص

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،،، يعد السلوک الإنساني من أکثر الأمور تعقيداً وغموضاً سواءً في تفسير دوافعه أو حتى آليات تعديله وتغييره، وما ذلک إلا انعکاس طبيعي لخصوصية هذا الکائن ـ  الإنسان ـ على وجه هذه الأرض من بين کل المخلوقات التي خلقها الله، فقد خصه الخالق سبحانه وتعالى بحسن الخلق وکمال التقويم في کل شي، قال تعالى:) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)" ( التين :4 ) فالإنسان بهذا التکريم حمل في داخله نفخه الروح اللإهية إضافة إلى مکون  الطين الأرضي , قال تعالى :) إِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلَائِکَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ  (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ( 72 )( (ص: 71-72) ،ولا شک إن التجاذب بين المکون الروحي والمکون الأرضي ( الطيني ) له أکبر تأثير على سلوک الإنسان. وقد جاء في الحديث عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ لِلشَّيْطَانَ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ ، وَلِلْمَلَکِ لَمَّةً : فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانَ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ ، وَتَکْذِيبٌ بِالْحَقِّ ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَکِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ ، وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِکَ ؛ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى ؛ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ  .([1]) ثُمَّ قَرَأَ)  الشَّيْطَانُ يَعِدُکُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُکُمْ بِالْفَحْشَاءِ ( فالإنسان بذلک عرضة لتغير سلوکه وتذبذبه بين الخير والشر ،والاهتمام بهذا السلوک کان الشغل الشاغل عبر العصور لکل المهتمين بالتربية کأحد أهم نواتجها وغاياتها النهائية التي تهدف من خلال مؤسساتها وعناصرها لتهذيب هذا السلوک ودفعة نحو الفضيلة وتجنيبه الرذائل الأخلاقية على جميع أنواعها ومستوياتها . ولذلک تأتي الأخلاق کضابط للسلوک الإنساني عنها يصدر وبها يتحرک ويتحول ويطاله التغيير , فالأخلاق هي المکون الفکري والوجداني الذي تصدر عنه الأفعال والسلوکيات ولذلک نجد الإمام الغزالي ( ت/505ه )يعرف الأخلاق بأنها : هيئة في النفس راسخة عنها تصدرُ الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فِکرٍ وروية، فإن کانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعًا سـميت تلک الهيئة خُلقًا حَسنًا، وإن کان الصادر عنها الأفعال القبيحة سـميت الهيئة التي تصدر عنها خُلقًا سيئًا. وحتى تأخذ الأخلاق طريقها للتطبيق وترى النور يجب أن يکون هناک محرک أساسي وجوهري في طبيعة الإنسان يدفعه نحو تحويل هذه الأفکار والمبادئ التي يؤمن بها العقل ويعترف بها الوجدان إلى حيز الوجود وعالم الواقع ,وما هذا المحرک إلا الإرادة التي تحول کل هذه المبادئ إلى صورة واقعيه متمثله في سلوک الفرد والجماعة . الإرادة التي هي التصميم الواعي للإنسان على تنفيذ إعمال يؤمن بها ويتحمل مسئوليته عن ممارستها ، وعواقب نتائجها ، والتي هي جزء من کسبه الذي سيحاسب عليه أمام ضميره أولاً وأمام خالقه ثانياً قال تعالى : ) کُلُّ نَفْسٍ بِمَا کَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) ( ( المدثر:38 )



([1]) الإمام الترمذي: سنن الترمذي ، رقم 2988.

الكلمات الرئيسية